الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ❤️
((الحُسين والمجتمعات))
سعد العوفي / بغداد
أكّد أغلب المؤرّخين أنّه (ع) ولد بالمدينة في الثالث من شعبان في السنة الرابعة من الهجرة وثمّة مؤرّخون أشاروا إلى أنّ ولادته (ع) كانت في السنة الثالثة .
لقد تضافرت النصوص الواردة عن رسول الله(ص)
بشأن الحسين(ع) وهي تبرز المكانة الرفيعة التي يمثّلها في دنيا الرسالة والأمة ونختار منها للوقوف على عظيم منزلته روى سلمان أنّه سمع رسول الله(ص) يقول في الحسن والحسين(ع)
(اللّهمّ إنّي أحبهما فأَحِبَّهما وأحب من أحبّهما)
وهذا ما يُبرهنُ ويثبتُ مكانتهِ في قلب النبي الأكرم
(ص) اضافةٍ لأحاديث كثيرةٍ وطويلةٍ اتفق عليها
ذوي الشأن والمؤرخون .
كان الحسين (ع) المُطالب الأول والأقوى بالحقوق
العامة التي ترفدُ المجتمعات بعيش كريم يُلائم
الواقع الاسلامي ان ذاك ، قد وضح المؤرخون ذلك
عبر التأريخ ، فمنهم من يرى انهُ (ع) قد كان منتفضًا
بوجه السلطات الحاكمة لإرغامها على النزول لواقع
الأمة الإسلامية وتنفيذ رغبات المجتمع ان ذاك ومنهم من يرى غيرُ ذلك لكن منطقيًا هو سعى بشتى الطرق لإكمال مسيرة النبي الأكرم (ص) وهذا ما تثبتهُ الأفعال قبل الأقوال التي نُقلت عن مسيرتهِ
الخالدة ومنها
(ينقل المُفيد عن الگلبي والمندائي والكثيرين من أصحاب السيرةِ)
فلما مات معاوية وذلك في النصف من شهر رجب سنة ستين من الهجرة كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان على المدينة من قبل معاوية أن يأخذ الحسين (ع) بالبيعة له ولا يرخص له في التأخير عن ذلك
فأنفذ الوليد إلى الحسين(ع) في الليل فاستدعاه فعرف الحسين (ع) الذي أراده منه فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح وقال لهم إن الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ولست “آمن” أن يكلفني فيه أمرا لا أجيبه إليه وهو غير “مأمون”فكونوا معي فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب فان سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه عني
فصار الحسين (ع) إلى الوليد بن عتبة فوجد عنده مروان بن الحكم فنعى إليه الوليد معاوية فاسترجع الحسين(ع) ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له .
فقال الحسين (ع)
إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس
فقال له الوليد أجل فقال الحسين (ع) فتصبح وترى رأيك في ذلك فقال له الوليد انصرف على اسم الله تعالى حتى تأتينا مع جماعة من الناس
فقال له مروان
والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه فوثب الحسين(ع) عند ذلك
وقال أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أم هو كذبت والله وأثمت
وخرج يمشي ومعه مواليه حتى أتى منزله .
هُنا يُبين المؤرخون مدى تاثير الحسين (ع) في المجتمع
ومدى حدةِ الكلمة التي (اُستشهدَ) من أجلها ، نعم هي كلمة جاد بنفسهِ وعيالهِ من اجلها لتعلوا حرةٍ ابيةٍ قائمةٍ
تنصرُ الحقَ وتدحضُ الباطلِ .
ان المجتمعات التي كانت ولازالت اسيرةٍ للعبوديةِ
والعيش المُتدني والمسحوق ، تقتني اقنعةٍ وترفعُ
مضلاتٍ وتقف خلف أعذارًا واهيةٍ ، هشةٍ ، باليةٍ
لتُقبلُ أيادي جلاديها ، بالرغم من التضحيةِ والإيثار
الذي قادهُ الحسين (ع) .
ومن اقولهِ المأثورةِ التي أضحت منهجًا للثورات في العصور الوسطى والحديثةِ
ينقلُ المجلسي
ان الحسين (ع) نادى يا شبث بن ربعي يا حجار بن أبجر يا قيس بن الأشعث يا يزيد بن الحارث ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار واخضر الجناب وإنما تقدم على جند لك مجندةٍ فقال له قيس بن الأشعث ما ندري ما تقول ولكن انزل على حكم بني عمك فإنهم لن يروك إلا ما تحب فقال لهم الحسين (ع)
(لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد ثم نادى يا عباد الله إني عذت بربي وربكم أن ترجمون وأعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب)
نعم هذا هو النبراسُ الثائر والأيقونةِ الحاضرة والهُمام
الوحيد ، الذي واجهَ اعتى الانظمةِ الحاكمة والسلطات
المُتجبرة “بمفرده” وبالرغمِ من قلةِ من معهُ لكنهُ أرغم
التأريخ ان يُمجده ويُقدسهَ ثورتهُ التي
برهنت للعالم بأسره “مدى تأثير الكلمةِ وقداستها”
ومدى ضعف القوى المستكبرة التي تسعى لفرض
هيمنتها على المجتمعات ، نعم ضُعفها ناتج عن
أستخدم نفوذها المتوفر من السلطة لا من المجتمع !
أن الأقلام عاجزةٍ أمام هذا الرجل العملاقَ قولاً وفعلاً
خلدهُ التأريخ وسار مُنذُ مئات السنين منهجًا للأحرار
والثائرين ، ولم يقف تأريخهُ المُفعم بالإيثار والسمو
على الأمة الإسلامية فقط ، بل تحدى ذلك وأضحى
قُبلةٍ للكثيرين من قادةِ الثورات في انحاء العالم
وهذا ما يدلُ على موقفهِ مع الطبقات الفقيرة
والمسحوقة من مختلف المجتمعات ويُثبت
الأحقية الكاملة في ثورتهِ على الطغيانُِ والتجبرُ
بل أسس منهجًا إنسانيًا ودستورًا فائق الاعتدال
للمساواة بين بني البشر ، وما يُعللُ ذلك هو إسداء
النُصحِ لاعدائه الذينَ بادروا لقتلهِ !
بل تعدى ذلك حتى وصل الأمر الى الدعاة والمفكرين
والثوار وقادة المجتمعات بمختلف أديانهم وميولهم
ومعتقداتهم ، فبادروا الى وصفه بشكلٍ جديٍ وليحثوا
جماهيرهم الى الانقضاض على “الطغاة” والسلطات
الديكتاتورية ومن تلك الاقوال المأثورة التي وصفوا بها
الحسين الثائر (ع)
(على جميع الثوار في العالم الاقتداء بتلك الثورة العارمة
التي قادها الزعيم الصلب الحسين والسير على نهجها
لدحرِ زعماء الشر والإطاحة برؤوسهم العفنة)
(چيڤارا)
(كان بميسور الإمام الحسين النجاة بنفسه عبر الاستسلام لإرادة يزيد، إلاّ أنّ رسالة القائد الذي كان سبباً لانبثاق الثورات في الإسلام لم تكن تسمح له الاعتراف بيزيد خليفة، بل وطّن نفسه لتحمّل كل الضغوط والمآسي لأجل إنقاذ الإسلام من مخالب بني أُميّة وبقيت روح الحسين خالدة)
(واشنطُن ايروينغ) مورخ اميركي شهير
حتى الغرب ثأر منتفضًا مُقتدياً بالحسين (ع) وما زالت
بعض شعوب الامة الاسلامية التي تتخذ من البكاء والعويل منهجًا تزعم فيهِ ان تُمثل اتباعهِا لذلك الفارس ، الضيغمُ ، النبراس ، العظيم الحسين (ع)
لكنها تناست او تتناسى ان الحسين (ع) الشهيد الحي
الخالد ، لم يدخر جهدًا الا وقدمهُ قربانًا للبشريةِ جمعًا
بل وجد الثبات والعزيمة والاصرار عندهُ دون غيرهِ ، هو الحسين الذي وصفهُ عبد الرزاق عبد الواحد
الشاعر الكبير قائلًا
وخُضْتَ وقد ضُفِرَ الموتُ ضَفْراً
فَما فيهِ للرّوحِ مِن مَخْرَمِ
وَما دارَ حَولَكَ بَل أنتَ دُرتَ
على الموتِ في زَرَدٍ مُحكَمِ
من الرَّفْضِ ، والكبرياءِ العظيمةِ
حتى بَصُرتَ ، وحتى عَمِي
فَمَسَّكَ من دونِ قَصدٍ فَمات
وأبقاكَ نجماً من الأنْجُمِ !
المصادر
بحار الأنوار للمجلسي
ج ٤٤ ص ٣٢٤
ج ٤٥ ص ٧