الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ❤️
كتب أحمد الخطاط ـ العراق
من يُحيي العراق وهو رميم؟
في الذكرى السنوية الأولى بعد المائة على تأسيس الدولة العراقية، يمر قرنٌ بثلاثة عهود، ولم يحظَ العراقيون بسبل الحياة الكريمة؛ بسبب غياب الفلسفة الحقيقية لبناء الدولة المستقرة.
فبتأريخ 23 / 8 / 1921 كان تتويج فيصل الأول ملكاً للعراق، وكان هذا التتويج إعلاناً لبدء العهد الملكي (1921 ــ 1958). حيث كان تأسيس المملكة العراقية جزءاً من طموح العائلة الهاشمية لتولي زعامة الولايات العربية المنفصلة عن الدولة العثمانية، ونقل نظام الخلافة المنهار في إسطنبول إليها تحت الرعاية البريطانية.
تعاقب على حكم العراق ثلاثة ملوك ليسوا عراقيين، هم: فيصل الأول وابنه غازي فحفيده فيصل الثاني الذي توج بالمنصب وهو طفل لم يبلغ الرشد، فكان أمر المملكة في أغلب حكمه بيد خاله الأمير الحجازي عبد الإله، ماتوا في ظروف غامضة، عدا الملك الأخير الذي قتل صبيحة 14 تموز 1958.
لم يشهد هذا العهد استقراراً سياسياً حقيقياً؛ فخلال 37 سنة ــ مدة العهد الملكي ــ أُعيد تشكيل الحكومة 59 مرة، وكان الملك متأرجحاً بين إرادة الاحتلال البريطاني وإرادة الأحزاب السياسية المتصارعة على السلطة؛ وعانى العراقيون من أزمات معيشية، وتعليم محدود، واقتصرت السلطة على الشيوخ والإقطاعيين والرجعيين، وتكبّل العراق بالمعاهدات الجائرة مع بريطانيا؛ مما ولد احتجاجات جماهيرية، وتمرد العشائر والأقليات، تحولت إلى مواجهات مع النظام، ومن إفرازاتها حدوث مجزرة سميل (الآشوريين).
كما شهد أيضاً انقلاب 1936وهو أول انقلاب عسكري عرفته الأنظمة العربية، وفتح الباب أمام تدخل الجيش في السياسة، تلاه انقلاب 1941 الذي أعاد الوصاية البريطانية على العراق بعد أن تحرر منها عام 1932. أما الصحافة فكانت مطاردة في معظم الأوقات ومهددة بإلغاء امتيازات الصحف.
ولكن في هذا العهد أيضاً وُضعت ركائز الدولة السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، ورُسمت الهيكلية الحكومية لإدارة المؤسسات الإدارية والمالية، وشهد تأسيس نظام تربوي وقضائي رفيع المستوى بالاستعانة بالقادة والمستشارين.
وفي العهد الجمهوري (1958 ــ 2003)، توجهت الدولة ونظامها الحاكم نحو العسكرة في جميع مفاصل الحياة، صار الحكم فيه مستبداً على طريقة ميكافيللي القائل: (ان الرجال إما أن يُستمالوا أو يُبادوا).
ومنذ بداية هذا العهد، شهد سلسلة من الانقلابات والحروب والتفرد بالسلطة وفرض سطوة الحزب الواحد، كان عهداً مليئاً بالدم والتصفيات والمحاكم الخاصة وملء السجون بمعارضيه فكرياً وسياسياً، واقتيادهم إلى المشانق في أكثر الأحيان. تعاقب على الحكم فيه خمسة رؤساء، كلهم عسكريون، هم: عبد الكريم قاسم، عبد السلام عارف، عبد الرحمن عارف، أحمد حسن البكر فصدام حسين. انتهى حكمهم بانقلابات دموية، اغتيالات، انقلابات ناعمة تحت تهديد السلاح، أو حروب كارثية.
وفي الحقيقة إن نظام الحكم الجمهوري يُستمد من الجماهير ومشاركتهم في الحياة السياسية، لكن غالباً ما يستخدم الحكام بعض المفردات لتجميل الأحداث القبيحة التي يفعلونها. فلم يكن هذا العهد جمهورياً إلا في الإعلام الذي استحوذت عليه السلطة بالمال والسلاح.
أنجزت حكومات هذا العهد مخططات مجلس الاعمار الذي أُسِس في نهاية العهد الملكي لبناء المشاريع في بغداد والمحافظات، وطورت وأنشأت البنى التحتية والفوقية للدولة، كشبكات الصرف الصحي والهاتف ومحطات الكهرباء والجسور والمصانع والمطارات والمستشفيات والمجمعات السكنية والمصارف.. إلخ.
أما في العهد الديمقراطي ما بعد 2003، تلقى العراقيون نظاماً انتخابياً ديمقراطياً ما عهدوه من قبل، وفي نظر الكثيرين إن هذا النظام يديره مسؤولون وضعوا أهدافاً سطحيةً وإصلاحات طارئة مؤقتة؛ فأنتج حكومات ضعيفة، مقابل سلطات تشريعية، فيها كتل متنفذة تبتز السلطة التنفيذية، وفي كل مرة تنتهي مهمة الحكومة التوافقية إلى عدم تحديد المسؤولية عن الفشل العام في الدولة!
اختلف هذا العهد عن العهدين السابقين بأنه وقع في شراك الفساد المالي والإداري الفظيعين، وتنامي الطائفية، واستفحال الإرهاب، وسيادة السلاح المنفلت، بينما صارت سلطة العشائر والأحزاب والعصابات ورجال الدين تتحدى سيادة الدولة في كثير من مشاهد الحياة، مع تغييب حرية الصحافة والإعلام في دائرة العشوائية والفوضى.
يُنسب إلى الملك فيصل الأول وصفاً قال فيه: (في اعتقادي، لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل تكتلات بشرية خالية من اي فكرة وطنية)! هذا يعني أن الملك يحمّل الشعب جزءاً من ذنب الحكام! وفي الحقيقة إذا ما أخذنا الأمور بخواتيمها، نجد إن الأنظمة الحاكمة في هي بيت الداء ورأس البلاء، وإن انعكاسات الأحداث والصراعات السياسية في العهود الثلاثة، تسببت في تشرذم النسيج الاجتماعي، وتحويل الناس إلى فئات محدودة النظرة والأهداف، لكل فئة منها قضية على حجمها، فلم تعد لديهم أي تطلعات إلى وطن أكبر مستقر، مما سهّل السيطرة عليهم، ووضع الرأي العام في أسر التحلل، فظهرت العواقب ظرفية وآنية، وتعملقت في مستقبل الأجيال، فلا يشارك أحد الآخر الهم الوطني العام، واقتربنا من نقطة محو معالم الدولة.
وبعد قرن مر من حياة العراق، رأينا ما للأنظمة الحاكمة وما عليها، وبدأنا بفعل ذلك ننحدر من وهم الدولة إلى حقيقة اللا دولة، فمن يحي العراق وهو رميم؟