تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ❤️

السعادة شبح

السعادة شبح

كتب / صباح الجميلى

استيقظ مبكرا على غير عادته، فاليوم هو موعد استلام راتب التقاعد … ويكفي مجرد التفكير بهذا اليوم أن يولد عنده ضجرا وحيرة تدوم لأيام … فأخذ يقلب أوراقه وكتبه حيث كان يلجأ إليها كلما ينتابه ضجر أو يشعر بتعاسة…ومن بين الأسطر وقع نظره على بيت من الشعر لشاعر يجهل اسمه يقول ….
وما السعادة في الدنيا سوى شبحٍ
يرجى فإن صار جسما مله البشر
وأخذ يرددها بهدوء مع نفسه، وهو يتهيأ للخروج، وهل هذا صحيح …؟ إن من حق الإنسان أن يحصل على السعادة، ومن حقه أن يتمنى ويسعى لتحقيق أمنياته … نعم إن الأشياء التي يتمناها الإنسان في حياته كثيرة.. وكثيرة هي مشاكل الدنيا التي يواجهها الإنسان كذلك …إن كل فرد في هذه الدنيا يحلم ويسعى لتحقيق أحلامه ويتمنى أن تتحقق بسرعة …إن صادفته مشكلة ما فيتمنى لو لم تكن … أو ربما لو تحل هكذا أو هكذا …
وهو بانتظار حافلة نقل الركاب ليعود الى داره البسيطة يرى سيارات الأجرة تمر من أمامه ولا يحاول أن يوقف واحدة منها حيث ما معه من أكياس الخضروات البسيطة والتي أرهقته بحملها، قد أتت على معظم راتبه رغم قلتها….
وبعد انتظار ممل وطويل وصلت الحافلة وصعد شلقا طريقه بصعوبة بين العشرات من الركاب فتعلق قميصه بكوع أحد الركاب قاطعا زراره فتلقفه قبل أن يسقط ووضعه في جيبه …
المواصلات معاناة ومشكلة … فيحلم لو عنده سيارة صغيرة لتنتهي أتعابه … ولماذا صغيرة؟ …. لماذا لا تكون سيارة كبيرة فارهة جديدة؟ … عند الله تعالى ليس صعبا وليس ببعيد … وعند وصوله الى داره البسيطة تنهال عليه المشاكل، الغاز نفد … والمدفأة الوحيدة بحاجة الى تنظيف وتهيئة، والمبردة اليتيمة … هل تم تنظيفها جيدا وحفظها بشكل سليم؟ … فيطير في عالم أحلامه … ماذا لو كانت لديه دار متكاملة لا يوجد فيها نقص … ولو كان لديه عدد من المساعدين والخدم ليقوموا بدله بهذه الأعمال، أليس ذلك من المستلزمات التي توصل الإنسان الى السعادة… السعادة إنها الغاية التي ينشدها كل إنسان… آه … لو أحصل عليها …
خلع قميصه وتناول خيطا وإبرة مادا يده الى جيبه ليأخذ الزرار المقطوع ليخيطه بمحله فسقطت ورقة من جيبه … فتحها فإذا بها بطاقة اليانصيب التي اشتراها قبل أسابيع … فيدمدم مع نفسه مستهزئا … وهل أنا من أصحاب الحظوظ لأفوز باليانصيب… إن شرائي للبطاقة كانت فكرة خرقاء، ولكن ربما من يدري…
وهو مسترسل في خياطة زرار قميصه المقطوع … محلقا في عالم أحلامه … إذا بباب الدار يطرق بشدة وينتبه على صوت صديق له يبشره بفوزه بالجائزة الأولى في اليانصيب …فإذا به بين ليلة وأخرى ذلك الغني صاحب القصر الشامخ والسيارات الفارهة وحوله الخدم والحشم يسرعون لتلبية أوامره وتحقيق رغباته … يأمر وينهي كما يحب ويشتهي … وفي كل يوم تراوده أفكار جديدة … هل سيبقى بهذه السيارة أم يستبدلها بأخرى؟ ماذا ستكون قائمة الطعام اليوم؟ كيف سيرعى شؤون القصر الضخم؟ … إن مشاكل العمال والخدم بدأت تتعبه …ثم عليه أن يرعى ثروته …كيف ينميها؟ … إن الصفقة السابقة في هذا الموسم لم تحقق له الربح الذي كان في حساباته … والصفقة الثانية اختلف فيها مع الشركاء والبائع والمشتري … أما الصفقة الثالثة فقد تحققت فيها خسارة فادحة … والمزارع كيف لم تحقق الحاصل الذي سبق أن حققته في العام الماضي؟ … إنه حقا عدم التزام الفلاحين، وعدم رعايتهم للأرض، وعدم خدمتهم للمزروعات … آه … إنه يحس بأن ضغطه قد ارتفع ويشعر بالإغماء … لعن الله الثراء والمال …ياربي … إنه يحس بصدره ينقبض.. ونفسه يختنق … الطبيب … أسرعوا الطبيب … بالله عليكم … الطبيب … وسارع الطبيب لعلاجه.. أسرعوا.. أعطوه هذه الحبة تحت اللسان … ياربي … لا فائدة سيضيع منا … هيئوا له الإبرة … لا بد من زرقه بالإبرة لعلاجه وإنقاذ حياته … آه … وصرخة عظيمة لقد وخز نفسه بالإبرة التي كان يخيط بها زرار قميصه … فعاد الى عالمه الحقيقي … وانتبه لنفسه وحمد الله، وقال رحم الله الشاعر القائل:
وما السعادة في الدنيا سوى شبح
يرجى فإن صار جسما ملَّه البشرُ

Loading

تعليقات الفيسبوك

إترك تعليق

البريد الالكتروني الخاص بك لن يتم نشرة . حقل مطلوب *

*

الإنضمام للجروب
صفحتنا على الفيسبوك
الأكثر قراءة
مختارات عالم الفن
شخصيات عامة